الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويقال: تصديقًا بما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة.ويقال: يعني: إقرارا بالفرائض، مع إقرارهم بالله تعالى.وروي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة} قال: يعني: الرحمة {فِى قُلُوبِ المؤمنين لِيَزْدَادُواْ إيمانا}.قال: إن الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كما قال: {قُلْ هُوَ الله أَحَد الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الاخلاص: 1، 4] فلما صدقوا بها، زادهم الصلاة.فلما صدقوا بها زادهم الزكاة.فلما صدقوا بها زادهم الصوم.فلما صدقوا بها زادهم الحج.فلما صدقوا به زادهم الجهاد.يعني: إن في كل ذلك يزيد تصديقًا مع تصديقهم.{وَلِلَّهِ جُنُود السموات والأرض} فجنود السموات الملائكة، وجنود الأرض المؤمنون من الجن والإنس {وَكَانَ الله عَلِيمًا} بخلقه {حَكِيمًا} في أمره حيث حكم بالنصر للمؤمنين يوم بدر.قوله عز وجل: {لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات} يعني: المصدقين والمصدقات {جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} يعني: من تحت غرفها، وأشجارها {خالدين فِيهَا} يعني: دائمين مقيمين، لا يموتون، ولا يخرجون منها {وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} يعني: يمحو، ويتجاوز عن سيئاتهم.يعني: عن ذنوبهم {وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزًا عَظِيمًا} في الآخرة.أي: نجاة وافرة من العذاب.ثم قال: {وَيُعَذّبَ المنافقين والمنافقات} يعني: ولكن يعذب المنافقين، والمنافقات، من أهل المدينة {والمشركين} من أهل مكة {والمشركات} الذين أقاموا على عبادة الأصنام.قوله: {الظانين بالله ظَنَّ السوء} وظنهم ترك التصديق بالله تعالى ورسوله، مخافة ألا ينصر محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ في قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12].ثم قال: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} يعني: عاقبة العذاب والهزيمة {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ} في الدنيا {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ} في الآخرة {وَسَاءتْ مَصِيرًا} يعني: بئس المصير الذي صاروا إليه.قوله تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض وَكَانَ الله عَزِيزًا} بالنقمة لمن مات على كفره، ونفاقه.{حَكِيمًا} في أمره، وقضائه، حكم بالنصرة للنبي صلى الله عليه وسلم.ثم قال: {إِنَّا أرسلناك شَاهِدًا} يعني: بعثناك شاهدًا بالبلاغ إلى أمتك {وَمُبَشّرًا} لمن أجابك بالجنة {وَنَذِيرًا} يعني: مخوفًا للكفار بالنار {لّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} يعني: لتصدقوا بالله فيما يأمركم، وتصدقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم {وَتُعَزّرُوهُ} يعني: لكي تعينوه، وتنصروه على عدوه بالسيف، {وَتُوَقّرُوهُ} أي: تعظموا النبي صلى الله عليه وسلم {وَتُسَبّحُوهُ} يعني: تصلوا لله تبارك وتعالى {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} يعني: غدوة وعشيًا.فكأنه قال: لتؤمنوا بالله وتسبحوه، وتؤمنوا برسوله، وتعزروه، وتوقروه.قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {لِيُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} كلها بالياء على معنى الخبر عنهم، وقرأ الباقون: بالتاء على معنى المخاطبة، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {بِكُمُ الدوائر عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} بضم السين.وقرأ الباقون: بالنصب، كقولك رجل سوء، وعمل سوء، وقد روي عن ابن كثير، وأبي عمرو: بالنصب أيضًا.قوله عز وجل: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ} يعني: يوم الحديبية تحت الشجرة، وهي بيعة الرضوان، قال الكلبي: بايعوا تحت الشجرة، وهي شجرة السَّمرة، وهم يومئذٍ ألف وخمسمائة وأربعون رجلًا.وروى هشام عن محمد بن الحسن قال: كانت الشجرة أم غيلان.{إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} يعني: كأنهم يبايعون الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بايعهم بأمر الله تعالى.ويقال: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} أي: لأجله، وطلب رضاه.ثم قال: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يعني: يد الله بالنصرة، والغلبة، والمغفرة، {فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} بالطاعة.وقال الزجاج: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يحتمل ثلاثة أوجه.أحدها {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} بالوفاء، ويحتمل {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} بالثواب، فهذان وجهان جاءا في التفسير، ويحتمل أيضًا {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} في المِنَّة عليهم، وفي الهداية فوق أيديهم في الطاعة.{فَمَن نَّكَثَ} يعني: نقض العهد، والبيعة {فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} يعني: عقوبته على نفسه.{وَمَنْ أوفى بِمَا عاهد عَلَيْهِ الله} قرأ حفص: برفع الهاء.أي: وفى بما عاهد عليه من البيعة، فيتم ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: أوفى بما عاهد الله عليه من البيعة، والتمام في ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.{فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} في الجنة.قرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر: {فَسَنُؤْتِيهِ} بالنون.والباقون: بالياء.وكلاهما يرجع إلى معنى واحد.يعني: سيؤتيه الله ثوابًا عظيمًا.قوله تعالى: {عَظِيمًا سَيَقول لَكَ المخلفون مِنَ الاعراب} وهم أسلم، وأشجع، وغفار، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى مكة عام الحديبية، فاستتبعهم، وكانت منازلهم بين مكة والمدينة.فقالوا فيما بينهم: نذهب معه إلى قوم جاؤوه فقتلوا أصحابه، فقاتلهم، فاعتلوا عليه بالشغل، حتى رجع، فأخبر الله تعالى رسوله قبل ذلك، أنه إذا رجع إليهم استقبلوه بالعذر، وهم كاذبون.فقال: {سَيَقول لَكَ المخلفون مِنَ الاعراب} يعني: الذين تخلفوا عن بيعة الحديبية {شَغَلَتْنَا أموالنا وَأَهْلُونَا} يعني: خفنا عليهم الضيعة، ولولا ذلك لخرجنا معك.{فاستغفر لَنَا} في التخلف.{يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} يعني: من طلب الاستغفار وهم لا يبالون، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم.{قُلْ} يا محمد {فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ الله شَيْئًا} يعني: من يقدر أن يمنع عنكم من عذاب الله شيئًا {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} يعني: قتلًا، أو هزيمة، {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} يعني: النصرة.قرأ حمزة والكسائي {ضَرّا} بضم الضاد، وهو سوء الحال والمرض، وما أشبه ذلك.والباقون: بالنصب.وهو ضد النفع.اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التقرير.يعني: لا يقدر أحد على دفع الضر، ومنع النفع غير الله.ثم استأنف الكلام فقال: {بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} يعني: عالمًا بتخلفكم، ومرادكم.قوله عز وجل: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول} يعني: بل منعكم من السير معه، لأنكم ظننتم أن لن ينقلب الرسول {والمؤمنون} من الحديبية {إلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيّنَ ذَلِكَ في قُلُوبِكُمْ} يعني: حُسِّن التخلف في قلوبكم {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} يعني: حسبتم الظن القبيح {وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} يعني: هلكى.وروي عن ابن عباس أنه قال: البور في لغة أزد عمان: الشيء الفاسد.والبور في كلام العرب: لا شيء.يعني: أعمالهم بور أي: مبطلة.قوله عز وجل: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ} يعني: من لم يصدق بالله في السر، كما صدقه في العلانية {فَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين سَعِيرًا} يعني: هيأنا لهم عذاب السعير.قوله تعالى: {وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} يعني: خزائن السموات والأرض.ويقال: ونفاذ الأمر في السموات والأرض.{يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} وهو فضل، منه المغفرة، ويعذب من يشاء على الذنب الصغير، وهو عدل منه {وَكَانَ الله غَفُورًا} لذنوبهم {رَّحِيمًا} بهم.ثم قال عز وجل: {سَيَقول المخلفون} يعني: الذين تخلفوا عن الحديبية {إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا} يعني: إلى غنائم خيبر {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} يعني: اتركونا نتّبعكم في ذلك الغزو {يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كلام الله} يعني: يغيروا كلام الله.يعني: ما قاله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: لا تأذن لهم في غزاة أخرى.قرأ حمزة والكسائي: وهو جمع كلمة.والباقون {كَلاَمَ الله} والكلام اسم لكل ما يتكلم به.{قُل لَّن تَتَّبِعُونَا} في المسير إلى خيبر إلاَّ متطوعين، من غير أن يكون لكم شرك في الغنيمة.{كَذَلِكُمْ قال الله مِن قَبْلُ} يعني: من قبل الحديبية.{فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} يعني: يقولون للمؤمنين: إن الله لم ينهكم عن ذلك، بل تحسدوننا على ما نصيب معكم من الغنائم.قال الله تعالى: {بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلًا} أي: لا يعقلون، ولا يرغبون في ترك النفاق، لا قليلًا، ولا كثيرًا.ويقال: بل كانوا لا يفقهون النهي من الله تعالى إلا قليلًا منهم.قوله عز وجل: {قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الاعراب} يعني: الذين تخلفوا عن الحديبية، مخافة القتال {سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني: قتال شديد.قال بعضهم: يعني: قتال أهل اليمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.وقال مجاهد: {إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني: أهل الأوثان.وقال أيضًا: هم أهل فارس، وكذا قال عطاء، وقال سعيد بن جبير: هوازن، وثقيف.وقال الحسن: فارس، والروم.{تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ} قرأ بعضهم (أَوْ يُسْلِمُوا) بألف من غير نون، وقراءة العامة بالنون.فمن قرأ: {أَوْ} يعني: حتى يسلموا، أو إلى أن يسلموا.ومن قرأ: بالنون.فمعناه: تقاتلونهم أو هم يسلمون {يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ} يعني: تجيبوا، وتوقعوا القتال، وتخلصوا لله تعالى.{يُؤْتِكُمُ الله أَجْرًا حَسَنًا} يعني: ثوابًا حسنًا في الآخرة.{وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ} يعني: تعرضوا عن الإجابة كما أعرضتم يوم الحديبية.{يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} يعني: شديدًا دائمًا، فلما نزلت هذه الآية، قال أهل الزمانة والضعفاء: فكيف بنا إذا دعينا إلى قتالتهم، ولا نستطيع الخروج، فيعذبنا الله؟ فنزل قوله: {لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ} وهذا قول الكلبي.وقال مقاتل: نزل العذر في الذين تخلفوا عن الحديبية.{لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ} يعني: ليس عليهم إثم في التخلف {وَلاَ عَلَى الاعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} يعني: إثم.{وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} في الغزو ويقال: ومن يطع الله ورسوله في الغزو، في السر، والعلانية {يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهر} وقد ذكرناه.{وَمَن يَتَوَلَّ} يعني: يعرض عن ذلك.يعني: عن طاعة الله، ورسوله، بالتخلف {يُعَذّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} يعني: شديدًا دائمًا.قرأ نافع: وابن عامر {نُدْخِلْهُ وَنُعَذِّبْهُ} كلاهما بالنون.والباقون: كلاهما بالياء.وكلاهما يرجع إلى معنى واحد. اهـ.
|